من هي أم سعد ..؟
أم موضي : - بياعت بنات ..
وحاولت أن تستمر ، لكن غلبها البكاء ..
فتوقفت .. وأخذت تنشج ، حتى ابتل غطاء وجهها ..
استأنفت الحديث ، بعد أن تمالكت نفسها :
أم موضي : - بياعت بنات..
تقول لي .. مـرة في الاسبـوع ..
أربعـة ألاف ريال في الشهر ..
ومصروف جيب للأولاد .. و "تحبين يدك مقلوبة" ..
بسرعة ترى شبابك ينقص كل شهر .. وليس كل سنة ..
حقيقة .. لم استطع أن أتكلم .. أو أعقب ، واستمرت هي في الكلام ..
أم موضي : - في كل مرة تجيء بسيارة أحسن من التي قبلها ..
آخر مره قالت لي :
"إسمعي نصيحتي يا ساره ،
إذا أنت مبسوطة من عيشة النكد والفقر التي أنت فيها ..
(حرام) تحرمين موضي من فرصتها ..
موضي بنية حلوة .. وكثيرون سوف يدفعون "..
لقد كاد أن يصيبني الجنون ،
عندما اكتشفت قصة موضي بالصدفة ..
قلت .. أكيد صادتها (أم سعد) ..
أنا أعيش كابوس اسمه (أم سعد) ..
أنا من يفكني منها ..؟
من يفكني ..؟
تلومني يا محمد إذا طردتك ..؟
تلومني إذا (كفرت) بالبنت .. وضربتها بهذا الشكل ..؟
في البداية .. قلت ،
أنت نازل علي من السماء .. ثم لما غلطت موضي ،
وقالت لإخوانها أنها أكلت في مطعم ..
حسبت أنك .. حاشاك .. من (كلاب) أم سعد ..
استمرت تتكلم وأنا مطرق رأسي ..
عقدت لساني الصدمة .. وأخرسني الألم ..
وأخذت أشعر أني أتضاءل أمام معاناتها ..
تتشبث بي ..
وأنا أفكر بالفرار ..
لا أستطيع أن أتحمل معاناتها ..
وأشعر بالعجز حيال ما تواجهه ..
كيف (أفكها) من أم سعد ..؟
كيف أساعدها ..؟
كيف استطيع أن أقف معها ..؟
وإلى متى ..؟
بين كل عبارة وأخرى تكرر ..
"حنا محتاجينك" ..
وأنا قد سيطر علي تفكير واحد ..
أن أنسحب ..
أن أهرب ..
إلى عالمي (الأناني) .. البليد ..
أفكر بربطها بإحدى المبرات الخيرية ..
وأخرج من عالمها ..
وأرتاح ..
قلت ..
وأنا أنهض :
أنا : - أستأذن يا أم محمد ..
أم موضي : - ستتركنا ..؟
أنا : - سأسعى لوضع ترتيب لكم مع إحدى الجمعيات الخيرية ..
أم موضي : - نحن لا نحتاج خبزا وزيتا ..
ثم أضافت والعبرة تخنقها ..
نحتاج إنسانا يقف بجانبنا ، ويحمينا ... نحتاجك ..
وأجهشت بالبكاء ..
أنا : - أنا شخص مشغول ..
وأنتم بحاجة إلى جهة تلتزم تجاهكم بكل شئ ..
أم موضي : - ستتركنا ..؟
انتزعت الكلمة هذه المرة ،
من أعماقها ،
والدمع يكاد يشرقها ..
أنا : - من الأفضل لك أن أبتعد ..
ترددي عليكم قد يثير حولك أقوال ..
أنت بغنى عنها ..
قلتها ، وأنا قد امتلأت بالدمع حتى فاض ،
أو كاد أن يفيض .. من عيني ..
أم موضي : - لكننا نريدك ..
ثم أضافت .. :
- كل الناس حولي هنا لا يسلمون من كلام مثل هذا ..
قدر المحرومين ، والبؤساء أن يحرموا حتى من السمعة الطيبة ..
لكن ، أنت شيء مختلف ..
- .....
لم أرد .. وكنت ما أزال واقفا ..
حينما ألقت علي عرضا مثل القنبلة :
أم موضي : - أزوجك موضي ..
فاجأني كلامها ..
فلم أدر ما أقول ..
ولم تعطني فرصة للتفكير ..
فأضافت :
أم موضي : - أنا أعرف ماذا يدور في ذهنك ..
صحيح نحن لسنا (قبائل) .. كما يقولون ..
لكن الحمد لله .. محافظون على أخلاقنا .. وديننا ..
ثم .. إذا لم نكن (قبائل) .. وهذا قدرنا .. ماذا نفعل ..؟
ونحن .. كذلك .. لم ننزل من القمر ..
أحسست بالدوار ، والغثيان .. والمقت ،
وتذكرت صديقا لي ، دائما ما يفخر بقبيلته ،
ويتحدث عن (أمجادها) العريقة ..
وكثيرا ما يستهجن موقفي المتميع ،
كما يقول ، من قضية الخضيري والقبيلي .
قال مره ، وقد جمعنا مجلس : "فلان تزوج خضيرية .. الله يخلف على الأصول" ..
صاحبي هذا .. (الاصيل) .. شقيقه متزوج من أمريكية ..
قلت له : - نايـف ..
أنا مللت هذه الاسطوانة القبيحة .. التي لا تفتأ ترددها علينا باستمرار ..
أنت تعلم ، من واقع معرفتك بالمجتمع الامريكي ،
أن كل فتاة أمريكية .. إلا في القليل النادر ،
لابـد أن تكـون لها علاقات جنسية قبل الزواج ..
وربما عاشرت أكثر من شخص ..
وتعلم كذلك أن هناك نسبة من الامريكيين يولدون سفاحا ،
إما نتيجة علاقات جنسية قبل الزواج ،
حيث لا يتم الزواج بين والديهم إلا بعد ولادة الطفل الأول ..
أو الثاني .. أو يولدون من علاقات عابرة ..
وما أكثر حمل المراهقات في المجتمع الامريكي ..
أين (الأصالة) .. التي تتحدث عنها ..
أو يتحدث عنها أولئك الذين يجوبون مدن العالم يلتقطون النساء من حاراتها الخلفية ..
يتزوجونهن .. لا يعرفون لهن أصلا .. ولا فصلا ، ولا نسبا (عريقا) ..
.. وإذا ما تربعوا في المجالس تحدثوا عن الشريفات ..
العفيفات : "هذه خضيرية .. ليست أصيلة .." .
أذكر أنه غضب مني .. وخرج من المجلس ،
ولم يعد يحدثني بعدها ..
لكنني كنت مرتاح الضمـير ..
لأنني شفيت صـدري ..
من واحدة من أكثر تناقضات مجتمعنا ، قبحا .. وغباء ..
لم يكن لدي شيء اقوله لها .. وأستدرت خارجا ..
قبل أن أصل الباب الخارجي سمعت صوت عبدالإله خلفي .. يناديني :
- محمد .. محمد .. وهو دائما يناديني هكذا ،
باسمـي مجردا من أي لقب ..
ألتفت إليه .. فالتقـت عينانا ،
أنا بما بقى لي من نظرة واهية كسيرة ..
خضبها الدمع .. وأضناها الألم ..
وهو بنظرة اختزلت ذل اليتم .. والعجز .. والحاجة ..
ونقاء الطفولة .. إذ يشرع القلب لها أبوابة .. بلا مقاومة ..
قال :
عبدالإله : - صحيح ..
أنت قلت أنك سوف تخرج بنا إلى البر .. نلعب كوره ..؟
أنا : - صحيح يا حبيبي ..
عبدالإله : - متى ..؟
عند هذه اللحظة كان العناء .. والألم ،
والصراع النفسي ، قد بلغ لدي درجة ،
صرت أشعر فيها أنني قد تحولت إلى كتلة من الدمع والأنفس الحرى ..
وأنني أحتاج إلى صدر لأدفن فيه رأسي .. وأبكي .. ثم أبكي .. ثم أبكي ..
قلت له :
- الآن يا حبيبي ..
أقتربت منه .. وجلست أمامه وأخذته إلى صدري .. وضممته ..
ثم وضعت رأسي على كتفه .. وبكيت ..
لا أدري كم بكيت .. لكنه استسلم لي ..
ومنحني كفا .. مسح بها رأسي .. وعبث بها شعري ..
وسلمني كتفه لأبكي عليه ..
حينما أفقت من سكرة الألم هذه ..
ورفعت رأسي .. كانت إبتسام واقفة قريبا منا ،
في عينيها دمعتان .. وألقيت نظرة على وجه عبدالاله ..
كان الوجه الصغـير مخضلا بالدموع ..
من داخل البيت كان صوت جهاز التسجيل يأتي ،
محملا بكلمات أغنية .. تقول :
" أحبك .. لو تكون ظالم ...
أحبك .. لو تكون هاجر ...
أحبك .. لو تكون غادر ..
وأمشي معاك .. للأخر ...
أنا أمشي معاك .. للآخر "
لم يكن قلبي بحاجة لمثل هذا الكلام .. كان ينزف ..
قلت لإبتسام :
أنا : - من الذي يشغل المسجل ..؟
إبتسام : - موضي ..
عرفت أنها توجه لي رسالة ..
أنا : - قولي لها تغلقه ..
أنا لا أحب سماع الأغاني ..
قبل أن أنهي عبارتي كانت قد انطلقت إلى داخل البيت ..
تصرخ في موضي ،
تطلب منها إغلاق المسجل ..
لأنني "ما أحب سماع الأغاني" ..
ثم أضافت من عندها ..:
" وإلا ترى ما نأخذك معنا للبر .." .
ركبنا السيارة جميعنا ..
ومررت على أحد المطاعم ، وطلبت لنا عشاء ..
ثم توجهت إلى الدائري الشرقي ..
في منطقة بين مخرج (9) و (
.. وأخذنا مكانا منعزلا ..
أخرجت بساطا ، أحمله معي في السيارة ،
وفرشته لهم .. وأعطيتهم الأكل ، بعد أن أخذت نصيبي ..
مشيت مبتعدا .. وأنا أسمع ضحكاتهم تدوي في أذني ..
وتهديدات إبتسام ، بأن الذي لا يسمع الكلام "لن يخرج معنا مرة ثانية" .
كنت قد ابتعدت ،
غابت الأصوات ..
ولم يبق إلا كلمات الأغنية ..
تتردد في ذهني ..
ودقات قلبي ..
الذي ما زال ينزف ..
إنـــــــتـــــــهــى .
يالله كان هذا آخر جزء و انشاء الله تنال النهاية اعجابكم ,. أختكم حور الالم